fbpx
808
0

لماذا تنفر الأجيال القديمة التكنولوجيا؟

808
0
الأجيال القديمة و التكنولوجيا

قد تستغرب الأجيال القديمة درجة تشبّث الأجيال الحاليّة بالتكنولجيا التي أضحت تحتلّ المكانة الأعلى والأولى في حياتنا اليوميّة.

ولكن هل يمكن اعتبار التكنولوجيا لعنتنا الحاليّة أم النّعمة التي افتقدتها الأجيال التي سبقتنا ؟

في الحقيقة، يمكن تحليل المسألة من وجهات نظر مختلفة. لهذا السبب سأقوم بتحليل الوجهة التي ترى التكنولوجيا سلاحًا فتاكًا ضد الحياة والعيش الصحيّ.

التكنولوجيا نقمة :

كم مرّة تردّدت على مسامعكم هذه الجمل :

لقد كنّا نقضي وقتًا حقيقيًّا مع بعضنا البعض.

لقد ولّت أيّام التواصل الصحيّ مع الأصحاب والعائلة. يكفي إضاعة للوقت وابدا بالقيام بنشاط حقيقيّ ملموس !

لكنّ هذه الجمل تزيد من احباطنا والحال أنّنا لا نفهم أسبابها والخلفيّة الإجتماعيّة النّابعة منها.

ولتفسير أسباب الاحباط الذي يشعر به الجيل القديم من الجيل الحاليّ، يجدر بنا العودة إلى الاسباب السيكولوجيّة وراء هذه المواقف السلبيّة التي يحملها ضد التكنولوجيا.

إثر الحرب العالميّة الثانية، وحين كانت الهواتف النّقالة والإنترنت خيالًا ونظريّة إستباقيّة، عان المجتمع والعالم بأجمعه من مخلّفات حرب أسفرت العديد من الأرواح وأفقدت العديدين عائلاتهم ومنازلهم. فتغيّرت نظرتهم للحياة وأصبحوا يقدّرون اللحظات الحميميّة التي تربطهم بذويهم وبالعزيزين على قلوبهم. كما أنّ القنبلة النوويّة هيروشيما وناغازاكي حوّلت نظرة العالم عن التكنولوجيا وطبعت صورة سلبيّة ودمويّة لكلّ ماهو مرتبط بالتطوّر. حتّى أنّ أصوات الطّائرات ودويّها مثّلت كابوسًا لانهائيًّا لأباء وأجداد تلك الفترات الذين استمروا في تحديد هذه الأصوات العاديّة كتهديد مباشرٍ وخطير. وبهذه الطريقة تحوّلت معاناتهم إلى محاولات غير مجدية للمحافظة على العلاقات الأسريّة التي تلاشت بفعل الآثار النفسيّة الوخيمة والمعادية لكلّ الترابط والحب الذي تاقوا إليه خلال تلك الفترة.

وبهذه الطّريقة أصبحت التكنولوجيا بكل مكوّناتها (وسائل التنقّل المتطوّرة، وسائل التواصل اللاّسلكي…الخ) نموذجًا للتدمير وانهاء البشريّة.

بالإضافة إلى هذا، اكتسب النّاس خلال هذه الفترات مهارات للتأقلم مع الهجمات غير المتوقّعة للعدو وذلك من خلال بناء ملاجىء جماعيّة استراتيجيّة لمّت شمل العديدين من مختلف الجهات. ولكن في كلّ مرّة يتقلّص عدد النّاجين، ينطبع أثران على الأشخاص :

الأثر الأوّل : طوّروا سلوكًيا دفاعيّا ووقائيًّا قاسيًا على أبنائهم وأحبّائهم ضد العالم الخارجي .

الأثر الثّاني : أضحوا أقل تمسّكًا وتأثّرًا بالعومل الدّاخلية التي تصيب عائلتهم داخل المحيط المنزليّ المحدود.

قد يبدو الأمر ضربًا من التناقض ولكنني سأفسّر لكم الأمر بطريقة أبسط وأدقّ.

جعلت الظروف الخارجيّة والحروب والصّراعات الدّامية الأباء والأمهّات أكثر ميلا إلى حماية أطفالهم من خطر الخروج إلى الشّارع وتعرّضهم للإصابة حتّى بعد سنوات عديدة من انتهاء الحرب وانتشار السّلام في العددد الأكبر من البلدان. مما أدّى إلى ازدياد العزلة النفسيّة للأطفال دون استيعابهم للأسباب الحقيقيّة واستمرارهم في الاحساس بدور الضّحيّة الذي تَعزّز بفعل عدم اهتمام الأباء نفسهم بتأطير أطفالهم داخل المحيط الأسريّ الصغير وعدم الشعور بأهميّة المشاعر السلبيّة التي تطوّرت داخل نفسيّة الطفل الذي يتوق إلى اكتشاف العالم الذي يجهله.

كلّ ما سبق، جعل العلاقات تضمحلّ بين الاباء وأطفالهم. ومع دخول التكنولوجيا التي يجهلها الاباء إلى البيوت شيئًا فشيئًاـ تضاعفت الهوة الحضاريّة بينهم وازداد انشغال الاطفال المراهقين بالتلفاز وبالهواتف في حين لم يفهم أولياء أمورهِم هذه النتيجة العكسيّة التي نتجت عن حمايتهم المبالغة فيها.

وبهذ الطريقة، استمرّت الهوّة في الاتّساع وبدت العلاقات الاسريّة أكثر صعوبة وتعقيدًا. غير أنّ الأجيال القديمة لا تفسّر الأمر كالتّالي، بل ترى التكنولوجيا الجاني الوحيد والأقسى. فهذه الهواتف النّقالة المتطوّرة، سلبت منهم حريّة أبنائهم التي استنزفت أرواحهم وأجسادهم وعقولهم للحصول عليها مجددًّا أثناء الحروب التي تتالت عليهم دون رحمة.

فكيف تستغربون استنفارهم لهذه التكنولوجيات العصريّة السّالبة للحريّة في حين أنّ الحريّة كانت مبتغاهم الحقيقيّ و الوحيد لأجيال عديدة ؟

ظاهرة “أحفاد الحرب” ظلت في ألمانيا لفترة طويلة غير معروفة، حتى عام 2004 عدما ناقشت الكاتبة الألمانية زابينا بودا في كتاب بعنوان “الجيل المنسي” حول الأطفال الذين عايشوا الحرب. وكانت المفاجأة أن المؤلفة تلقت ردود فعل كثيرة ليس فقط من قبل الناس الذين عاشوا الحرب، ولكن أيضا من قبل أبنائهم؛ أي الجيل الذي ولد بعد الحرب.

وقالت بودا إن الرسائل تضمنت جملًا من قبيل “ ليس من السهل أن تكون طفلا لمثل هؤلاء الآباء”. وتوصّلت البحوث إلى خلاصة توصلت لها المؤلفة مفادها أن أطفال هذا الجيل يجدون صعوبة في التواصل العاطفي مع آبائهم وأمّهاتهم، ويشعرون بالخوف غير المبرر وعدم الأمان، إضافة إلى مشكلات كبيرة في اختيار مستقبلهم المهني.

فماهي الآثار السلبيّة الأخرى التي اكتسبها وعي ولاوعي الأجيال الحاليّة من خلال كونهم “أحفاد الحرب” ؟

حمل تطبيق ريدز عبر جميع المنصات و على هذا الرابط.