هل سبق وأن تساءلت على مدى مساهمتك في الضّرر الذي يحدثه الانسان بيئيًّا؟ هل سبق وأن سمعت عن الجانب اللاأخلاقي للموضة السّريعة؟
ما هي الموضة السّريعة؟
يشير مصطلح «الموضة السريعة» إلى التّحول في صناعة الأزياء الذي أدّى إلى إنتاج أسرع بتكاليف أقل. تعتمد الموضة السّريعة على الإنتاج الضخم للملابس العصرية لإنتاج ملابس بأسعارٍ وفقًا لأحدث الصّيحات. للوهلة الأولى، قد يبدو هذا مفيد للغاية بالنسبة للمستهلك ولكن من المهم أن نقف قليلاً لنسأل ماذا يكلف هذا حقًّا؟ ولأيّ مدى بإمكان الأشخاص العاديّين الحدّ من ذلك؟
تأتي الخطابات حول الاستدامة والنزعة الاستهلاكية الأخلاقية في طليعة العديد من القضايا الاجتماعية الحاليّة. يُعدّ قطاع الملابس على وجه الخصوص جديرًا بمثل هذه المناقشات لأنه مسؤول عن أضرار بيئيّة واسعة النطاق، خاصة مع ظهور ماركات الأزياء السريعة والغسل الأخضر للشّركات وتمجيد الاستهلاك المفرط على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، يبدو أنّ البدائل الصديقة للبيئة غير قابلة للتحقيق في كثير من الأحيان بالنسبة لعدد كبيرٍ من السكان. بينما نعمل لتحقيق مستقبلٍ أكثر استدامة، إلى أيّ مدى يمكن لمستهلكي الموضة تحقيق الاستدامة؟
بفضل اهتمام وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التّواصل الاجتماعي، فإن حقيقة أن الموضة صناعة مدمّرة لم تعدّ حقيقةً مخفيّةً. ومع ذلك، فإن محاولة تحديد الضّرر الذي يحدث أثناء صنع الملابس وتوزيعها بدقّة يمكن أن يكون صعبًا. تُنتج الألياف مثل الكتان والقطن من خلال الزّراعة، على سبيل المثال، بينما تشمل مواد مثل الصوف والجلود تجارة الماشية و يشمل تصنيع المواد الاصطناعية و نقل البضائع صناعة الوقود. ربّما يكون هذا التداخل مع القطاعات الضارة الأخرى المماثلة هو السبب في تقلّب الأرقام الخاصة بإنتاج النفايات السنوية للأزياء وانبعاثات الكربون وتلوث المياه من مصدر إلى آخر. على الرغم من بعض التّباين في هذه الأرقام، لا ينبغي تجاهل الخطورة الإجمالية لمساهمة الموضة في أزمة المناخ.
كما يجب ألّا ننسى أنّ شركات الموضة السّريعة تعتمد بشكلٍ كبير على المصانع التي تستغلّ العمّال التي غالبًا ما تقع في دول العالم النّامي. تستغلّ هذه شركات عمّالها في الخارج ـ خاصة الشابات والقصرـ لتحقيق أقصى قدر من الأرباح. تعمل هؤلاء النساء لساعات طويلة بأجرٍ ضئيلٍ كما يُرغمن على العمل في ظروفٍ غير آمنة. سنة 2013 في دكا عاصمة بنغلاديش، انهارت ورشة رنا بلازا (Rana Plaza) ممّا أسفر عن مقتل أكثر من 1000 عامل. إنّ ساعات العمل الطويلة والأجور المتدنيّة والظروف غير الآمنة ليست سوى بعض الطّرق التي تستغل بها الشركات عمّالها لكسب مالٍ أكثر. وهذا الاستغلال هو أثر سلبيّ إضافي للأزياء السريعة.
يمكنك الاطّلاع على بودكاست “Onsomnia”، وبالتّحديد الحلقة الثّالثة التّي تتحدّث فيها صانعة المحتوى التّونسيّة أنس همّامي على رأيها في الموضة السّريعة ومحاولاتها لبناء نمط حياة أكثر استدامة.
استمع إلى كامل الحلقة عبر الرّابط التّالي على منصّة ريدز
إن اهتمام الثقافة الشعبية الناشئة بالاستدامة، لا سيّما عندما يتعلق الأمر بالملابس، مهمّ ولكنّه بعيد كلّ البعد عن الإنصاف. ليس هناك شك في أنّ مفهوم حماية البيئة يميل إلى استبعاد الفئات المهمّشة تاريخيًا. تستمرّ العديد من العلامات التّجارية الأخلاقية في تقديم حواجز عالية التكلفة للأشخاص ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض. ومن المفارقات أن هذه الفئات لا تتأثر بشكل كبير من آثار تغير المناخ فحسب، بل إنها تساهم عامّةً بشكلٍ أقل في التدهور البيئي مقارنة بـالنّخبة الثريّة. هناك انتقاد آخر لما يسمى بالشركات المستدامة وهو أن نطاقاتها غالبًا ما تكون محدودة للغاية، على عكس متاجر الموضة السريعة. وبالتالي، فإن القدرة على التسوق من هذه الماركات التجارية، رغم أنّها أقلّ ضررًا للبيئة، هي أيضًا امتياز متعدّد الأوجه يتم تقديمه لفئة صغيرة من النّاس.
إن مفتاح السعي لتحقيق الاستدامة كمستهلك هو التوازن. آمل أن تلهمك مجموعة التوصيات التّالية التي بإمكانها بناء عقليّة أكثر توازناً فيما يتعلق باستهلاكِك الشخصي للأزياء.
ـ اشتر أقلّ ملابس: بغض النظر عما إذا كانت أغلب ملابسك من متاجر الأزياء السّريعة أو الماركات التّجارية المستدامة، فمن الأقل إهدارًا من الناحيتين البيئية والمالية ارتداء القطع التي تمتلكها بدلاً من شراء قطع إضافية فقط لأنّك ترغب في ذلك. إن لم كنت تحتاج عنصرًا معيّنًا، ففكّر في تبديل أو اقتراض الملابس أو الأحذية أو الإكسسوارات من صديق. إنّها طريقة مجانية ومستدامة لتجربة أنماط مختلفة دون الالتزام بالشّراء.
ـ استهلك الموضة السريعة بمسؤولية: إذا لم تكن هناك أي متاجر لبيع الملابس المستعملة في منطقتك أو إذا كانت العلامات التجارية الصديقة للبيئة خارج نطاق ميزانيتك، يمكنك استهلاك الأزياء السّريعة باعتدال. عند التسوق، حاول مقاومة الرّغبة في شراء شيء ما لمجرد أنه رخيص أو عليه تخفيض. بدلاً من ذلك، قبل شراء قطعة ما، فكّر ما إن كنت حقًّا تحتاجها.
ـ اختر الألياف الطبيعية إن أمكن ذلك: بغض النّظر عما إذا كانت مشترياتك من ماركات الموضة السريعة أم لا، فإنّ اختيار ملابس تتكون بشكل أساسي أو بالكامل من الألياف الطبيعية مثل القطن أو الكتّان أو الصوف أو الحرير دائمًا ما تكون فكرة جيدة. تعتبر المواد الطبيعية أكثر أمانًا للبيئة من المواد الاصطناعية مثل البوليستر والنايلون المشتقة من البلاستيك التي وتستغرق مئات السنين لتتحلل بالكامل.
ـ تجنب التخلص من الملابس إلاّ إذا كانت غير صالحة للاستخدام تمامًا: يعدّ التبرّع بالقطع غير المرغوب فيها أو بيعها على الإنترنت أو منحها للأصدقاء أو الأقارب بدائلاً ممتازة لمكبّ النفايات.
وأخيرًا، كرر ملابسك! تساهم وسائل التّواصل الاجتماعي وثقافة المؤثرين في بناء عقليّة تدعم سلوك عدم تكرار الإطلالات ـ كلّ مناسبة تتطلب زيًا جديدًا. وهذه الفكرة لا صلة لها بالواقع؛ من المفترض أن يتم ارتداء الملابس عالية الجودة موسمًا بعد موسم. من خلال القيام بذلك، يمكنك الحفاظ على الموارد البيئية والماليّة.
ولما الانتظار؟ يمكنك إحداث فرق من خلال عادات تسوّقك اليوميّة. اذهب إلى خزانة ملابسك واحدث التغييرات التي تحتاجها. أبدأ بتغيير نفسك من أجل مستقبل أكثر استدامة.