عيد إضحى مبارك! 🤗
فيما مضى، كان عيد الإضحى مناسبةً يتقرّب فيها المسلمون إلى اللّه عن طريق التضحية بأحد الأنعام (خروف، أو بقرة، أو جمل) وتوزيع هذا اللّحم للإقارب والفقراء والمحتاجين. كانت غاية عيد الإضحى في الماضي نبيلة جدًا وإستثنائيّة حيث تمنح المسلمين القدرة على مساعدة غيرهم وإدخال البهجة والسّعادة في قلوبهم.
إلّا أن الأمر تغيّر الآن وأصبح عيد الإضحى مناسبةً للتباهي وتناول الأطعمة غير الصّحة علمًا و أنّ المحافظة على النّفس البشريّة وعلى الجسد من سُنَنَ الدين الإسلامي.
فأضحى الأشخاص في العالم الإسلامي يشتروْن الأُضحية بنيّة التّباهي بها أمام منْ همْ أقل مالاً وقدرة على توفير أُضحية غالية الثّمن.
ولم يتوقّف الأمر عند هذه االمرحلة، بل و ورثتها الأجيال الأخيرة و تتالت أعياد الإضحى التي خلت من الصَّدقَة والإيمان العميق ومساعدة الآخرين. ونسيَ المجتمع الغاية الحقيقيّة من هذا العيد. الأمر العجيب هو كيف يستطيع الإنسان أن يُحوَّل عادةً إنسانيّة صحيّة إلى مجموعة من العادات السلبيّة غير الصحيّة. فبالإضافة إلى التباهي و التفاخر واختفاء معالم حب الأخرين ومساعدة المحتاجين، ظهرت عادة جديدةٌ فينا، ألا وهي الإسراف في تناول اللّحم.
وأكثر الأيام التي تشهد تناول كميّات غير طبيعيّة من اللّحوم هي الأيّام الأربع الأولى من العيد.
فوائد اللّحوم الحمراء :
لا أحد يُنكر اللّذة الإستثنائيّة لهذه اللحوم الشّهيّة أو لا يعي أهميّة تناول اللّحم على الصّحة النفسيّة والجسديّة التي تتراوح بين توفير القيم الغذائية العالية من البروتينات والأملاح المعدنية والدهون الضرورية والأحماض الأمينية وبين التخلّص من الإكتئاب وتحسين المزاج.
- فطالما اُعتُبرت اللّحوم الحمراء مصدرًا مثاليًا للبروتينات سهلة الهضم للإنسان والمشبعة.
- تعتبر اللحوم الحمراء من أهم وأغنى مصادر البروتينات التي توفّر فيتامينات أساسيّة مثل (ب 12 – ب- د- هـ) بالإضافة إلى العديد من المعادن مثل الحديد والزنك والسيلينيوم.
- فضلاً عن هذا، فقد أثبتت الدّراسات أنّ تناول كميّات معتدلة من اللّحوم الحمراء من شأنه أن يقلل من مشاكل القلب. كما أشار مايكل روسيل أستاذ التغذية الأمريكي أن كميات قليلة من اللحوم الحمراء تقلل الكوليسترول في الدم بسبب وجود حامضي (السيتياريك والأوليك) الدهنيين واللذين يعملان على تخفيض مشاكل القلب.
- أمّا فيما يخصُّ تحسين المزاج ومعالجة الاكتئاب، فقد توصّلت إحدى الدراسات الأستراليّة إلى أن تناول مقدار محدد يوميا لا يزيد عن 60 غرام من اللحوم يمكن أن يمنع الاكتئاب عبر تقليل مستوياتِ القلق لدى الإنسان. وذلك بسبب احتواء اللحوم الحمراء على أحماض أوميجا 3 وحامض التربتوفان الأميني الذي يتحول إلى هرمون السيروتونين ذو الدّور الكبير في تحسين الحالة المزاجية وعلاج القلق والاكتئاب والتوتر لدى الإنسان.
- كما أنها تساعد على التمثيل الغذائي الجيد وتنظيمه مع تقوية جهاز المناعة لدى الإنسان. وأيضا لها دور في الحفاظ على مستوى الهيموجلوبين في الدم ( الهيموجلوبين هو بروتين محمول داخل خلايا الدم الحمراء ويحتوي على ذرات الحديد. يلتقط الأوكسجين في الرئتين ويسلّمه إلى الأنسجة للحفاظ على حياة الجسم.)
هل رأيتم الفوائد اللّانهائيّة للّحوم الحمراء؟ هذا رائعٌ جدًا أليس كذلك! ولكن هل لاحظتم تكرار عبارات ” كميّات قليلة / كميّات صحيحة/ عدم الإسراف/ كميّات معتدلة” في كل مرّة ؟
هذا لأنّ الإسراف يسبب انحرافًا في النتائج التي نرجوها من تناول اللّحوم ويؤدّي إلى أمراضٍ نفسيّة وجسديّة قاتلةٍ.
أضرار الإسراف من اللّحوم الحمراء :
- حيث أثبتت دراسة أمريكيّة، أين توجد النسب الأكبر من الاشخاص الذين يتناولون كميّات مهولة من اللّحوم الحمراء، أنّه خلال عشر السنوات الأخيرة، شهدت البلاد ارتفاعًا غير اعتياديٍ في نسبة الوفاة لدى أولئك الذين يتناولون اللحوم الحمراء بشكل يومي بمعدل 62.5 غرام لكل ألف سعر حراري في اليوم بنسبة بلغت 30 في المائة أكثر من أولئك الذين تناولوا كميات أقل من اللحوم الحمراء. وكانت الزيادة في نسبة الوفيات ناتجة عن أمراض القلب والشرايين والسرطان.
- تتراوح الكميّة المعتدلة من تناول اللّحم يوميًا ما بين 100 غرام إلى 300 غرام فقط. غير أنّ النسبة تتغيّر في العالم الإسلامي كلّ سنة أثناء فترة عيد الإضحى لتصبح بين 500 غرام 1،5 كغ في اليوم!!! تفاجأتم صحيح ؟
- هذه الأعداد مفجعة للغاية وتدعو إلى القلق والارتياب. فضلًا عن هذا، فإنّ طريقة طهونا لهذه الكميّة يبعد كلّ البعد عن الطُّرق الصحيّة. حيث أكدت خبيرة التغذية الألمانية “مارجريت مورلو” على أهمية طهي اللحوم بطريقة صحية عن طريق سلقها أو إضافة القليل من الزيت عند تحميرها، مع تجنب تحمير أو شواء اللحوم لمدة طويلة، وإلا فقد تنشأ مواد ضارة ترفع خطر الإصابة بالسرطان.
تكمن مشكلةٌ أخرى أنّ الأشخاص لا يكتفون باللحوم فقط، بل يسرفون أيضا في شرب المشروبات الغازيّة والحلويّات كذلك. ليصبح العيد المناسبة المثاليّة لحالات سوء الهضم والتخمة وارتفاع نسبة الكولسترول وضغط الدّم وتقلّبات المزاج والكسل وارتفاع نسبة السكر في الدم.
كيف بإمكاننا تفادي هذه الأضرار ؟
- حتّى نكون أكثر وعيًا ومسؤوليّة على أنفسنا وعلى غيرنا، لنغيّر هذه العادات غير صحيّة. لنقلل من تناول اللّحوم الحمراء ونقسّم الكميّات المعقولة على فترات متباعدة في اليوم حتى يتسنَّى لجسدنا فرصة الهضم والاستيعاب.
- بالإضافة إلى هذا، لندع للّحوم البيضاء مجالا للبروز والتميّز خاصةً وأنّها تقلل التعرض لمرض السكري و السّكتة الدّماغية و أمراض القلب التاجيّة و زيادة الوزن وبعض أنواع السّرطان والأمراض المزمنة.
- يمكن الإستغناء عن أي نوعٍ من اللّحوم خاصّة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من أمراض جسديّة مزمنة أو من هم مُعرّضون إلى العديد منها. وبدورها، أوصت خبيرة التغذية التّونسيّة “أميرة العسكري” أن مَن يرغب في الاستغناء عن اللحوم تماما، بمراعاة إمداد الجسم بالبروتين من خلال تناول الأطعمة النباتية الغنية به مثل العدس والفاصولياء والحبوب.
- كما ينبغي إمداد الجسم بالفيتامينات والمعادن من خلال تناول الحليب ومنتجاته، مع مراعاة اتباع نظام غذائي متوازن يضم الخضروات والفواكه ومنتجات الحبوب الكاملة والبقوليات، بالإضافة إلى المكسرات وأنواع مختارة من الزيوت الصحية، كزيت الزيتون.
لنتذكّر الغاية الحقيقيّة من العيد أينما كنَّا !
عيد الإضحى أعمق من أن يكون مسابقة للأكل أو التّباهي بمن يملك أكبر كبشٍ في المنطقة.
العيد هو مناسبة دينيّة نبيلةٌ للتواضع و التفكير في الفقراء والمحتاجين والمساكين. إنّه عيد صلة الرّحم وحب الآخرين وعيدٌ للتجمعّات العائليّة المحرّكة لمشاعر الطمأنينة والمشاركة والقبول المتابدل.
فإن خلى عيد الإضحى من هذه القيم و انحرفت غايته عن مسارها، فسينطفئ نوره وتندثر نكهته الحقيقيّة تحت كوْمة من الشحوم والتّوابل والزيوت.