من المهمّ أن ننتبه إلى الإشارات التّي يرسلها الآخرون حين تواصلنا معهم. ينتابنا أحيانًا شعورًا أنّ شخصًا ما بصدد التّلاعب بأفكارنا. يسمّى هذا الفعل بـ “التّلاعب بالعقول” (بالانجليزيّة gaslighting) ويتعلق الأمر بالتحكم في شخصٍ آخر لحدِّ تشكيكهم في فهمِهم للواقع. إنّه شكل من أشكال الإساءة النّفسية حيث يجعل شخص أو مجموعة ما شخصًا آخر يشكّك في عقله أو تصوّره للواقع أو ذكرياته. غالبًا ما يشعر الأشخاص الذين يتعرّضون لمثل هذا السلوك إلى الشّعور بالارتباك والقلق وعدم القدرة على الوثوق بأنفسهم.
الآن بعد أن أصبح الشباب أكثر انفتاحًا بشأن الصحة النّفسيّة، أصبح التّلاعب بالعقول موضوعًا شائعًا بشكل متزايد بين هذه الفئة العمرية خلال السنوات القليلة الماضية. كما أنّ هذا الموضوع بشكلٍ عام، يُعدّ شيئًا جيّدًا، لأن زيادة الوعي بخصوص هذا الشّكل من الإساءة العاطفية يمكن أن يساعد الإنسان على تجنّب العلاقات السيّئة وغير الصحّية. ولكن قبل أن تتهم شخصًا ما بهذا السلوك، من المهم أن تفهم ما يعنيه بالتّحديد وكيفية البحث عن علاماته.
إذن كيف تتفطّن إلى أنّ شخصًا ما يتلاعب بعقلك؟ هل يوجد نمط معيّن يجب توخّيه؟
إليك جمل يجب الانتباه لها حين استعمالها من قبل من حولك:
1 “أنت تبالغ في ردّة فعلك”
من المحتمل أنّك سمعت هذه الجملة أكثر من مرّةٍ في وقتٍ ما من حياتك. في بعض الأحيان نبالغ حقًا في ردود أفعالنا ولكن في أحيان أخرى يتم خداعنا للاعتقاد بأن مشاعرنا ليست حقيقيّة. يمكن لمثل هذا السّلوك أن يحدث بغضِّ النّظر على العلاقة التّي تجمعك بالشّخص، إذ يمكن أن يتعرّض الانسان للتّلاعب من قبل الأصدقاء، الشّريك، الوالدين… يمكن أن نجيب على مثل هذا القول كالتّالي: “ليس من واجبي إقناعك بما أشعر به؛ هذا شيء تحتاج إلى العمل عليه بمفردك. ”
إذا وجدت نفسك تشكك في تجاربك الخاصة بشكلٍ مستمر، فقد يكون الوقت قد حان للتّراجع وإعادة تقييم الموقف.
2 “أنت تتخيل أشياء”
هل سبق لك أن كنت في موقف علمت فيه أن شيئًا ما تغيّر، لكن لم تستطع وضع إصبعك عليه؟
ربما كنت تشك في شخصٍ ما أو أمسكت بهم في كذبة ولكن عندما واجهتهم أنكروا ذلك وأخبروك أنك مجنون دون محاولة معالجة المشكل عن طريق الحوار. قد تدفعك مثل هذه الرّدود إلى التساؤل عمّا إذا كنت مجنونًا، لكنّك لست كذلك.
3 “ليس بالأمر المهمّ”
يمكن لبعض الأشخاص أحيانًا أن يتلاعبوا بعقلك من خلال الاستخفاف بمشاعرك وتجارب حياتك. سيجعلونك تشعر أن مشاعرك مزيّفة وأنّك تفكّر بشكلٍ مفرط.
4 “لماذا أنت دفاعي لهذه الدّرجة؟”
5 “لماذا أنت غاضب؟ كنت أمزح”
6 “أنت حسّاس جدًّا”
7 “توقّف عن التّصرف بجنون”
كلّ جملة من هذه الجمل تعكس طريقة من بين الطّرق المتّفق عليها التّي بإمكان الفرد أن يستعملها لغرض التّلاعب العقلي، ومنها نذكر:
التّصدّي: هذا يصف الشخص الذي يشكّك في ذكريات شخصٍ ما. قد يقولون أشياء مثل، “لا تتذكر الأشياء بدقة” أو “هل أنت متأكد؟ لديك ذاكرة سيئة “.
الامتناع: عندما يمتنع شخص ما، على خوض حوار. قد يتظاهر الشخص بعدم فهم شخص ما حتى لا يضطرّ إلى الردّ عليه. على سبيل المثال، قد يقولون، «لا أعرف ما الذي تتحدث عنه».
التقليل من الشأن: يحدث هذا عندما يقلل الشخص من شأن مشاعر الشخص الآخر أو يتجاهلها. قد يتّهمه بالحساسية المفرطة أو المبالغة في ردّ الفعل عندما يكون لديهم مخاوف ومشاعر حقيقيّة.
الإنكار: يرمز الإنكار إلى تظاهر الشّخص بنسيان الأحداث أو كيفيّة حدوثها. قد ينكرون أنهم قالوا أو فعلوا شيئًا أو يتهمّون شخصًا ما باختلاق الأشياء.
التّحويل: باستخدام هذه التقنية، يغيّر الشخص تركيز المناقشة ويشكّك في مصداقية الشخص الآخر بدلاً من ذلك. على سبيل المثال، قد يقولون، «هذه مجرد فكرة مجنونة أخرى حصلت عليها من أصدقائك».
القوالب النمطية: تنصّ مقالة في مجلة علم الاجتماع الأمريكية (American Sociological Review) على أن الشخص الذي يستخدم تقنيات التّلاعب بالعقول قد يستخدم عمدًا الصور النّمطية السلبية عن جنس الشخص أو عرقه أو حياته الجنسية أو جنسيّته أو عُمرِه للتّلاعب به.
تأثير التّلاعب العقلي على الصحّة النّفسيّة
إنّ إخبارك باستمرار أنك مخطئ أو مرتبك أو حتى «مجنون» يمكن أن يكون له آثارًا مدمّرة على صحّتك النّفسيّة. إلى جانب التشكيك في واقعهم ومعتقداتهم، غالبًا ما يشعر ضحايا التّلاعب بالعقول بالعزلة والعجز. كما تشمل أعراضه أيضًا تدنّي احترام الذّات والارتباك والشّك الذّاتي وصعوبة الأداء في المدرسة أو في العمل أو في المواقف الاجتماعية.
قد لا يكون التّلاعب بالعقول العامل الوحيد الذي يؤدي إلى الأمراض النّفسيّة، ولكن نفس العوامل التي تترك الشخص عرضة له قد تؤدي إلى انخفاض احترام الذات وعدم اليقين من الواقع والقلق والاكتئاب. بمرور الوقت، تبدأ في الاعتقاد بأن هناك شيئًا خاطئًا لأن أحد أهم الأشخاص في حياتك أخبرك بذلك
روبن ستيرن
عندما تشعر أنّ شخصًا ما بصدد التّلاعب بعقلِك، حاول تحديد المشكلة وتصالح مع مشاعرك ولا تتردّد في التّضحية بالأشياء القليلة الجيّدة في سبيل المضيّ قدمًا.