fbpx
237
0

عواطفك : هل هي الغالبة أم المغلوبة؟

237
0
العواطف

كثيرًا ما ترودنا أفكارٌ مختلفةٌ وعشوائيّة حول عواطفنا وتعقيدها. والحال أنّ مشاعرنا قد تدخّلت في قدرة اتخاذنا للقرارات وساهمت في جعلنا أكثر عرضة للخداع أو للانكسار في العديد من المرّات. فترانا نتساءل : هل بإمكاننا التّحكم في عواطفنا بعقلانيّة ؟

ولكن في البداية، لنعرّف العواطف :

يمكن تصنيف النظريات المتعلقة بالعواطف والانفعالات إلى ثلاثة أنواع رئيسية؛ فيسيلوجية وعصبيّة ومعرفيّة. ففي حين تشير النظريات الفسيولوجية إلى أنّ ردود الأفعال العضويّة داخل الجسم هي المسؤولة عن عواطفنا وانفعالاتنا، تقترح النظريات العصبية أنّ النشاط داخل الدماغ يؤدي إلى ردود فعل عاطفية. أمّا النظريات المعرفية فترى أنّ الأفكار والنشاطات الذهنية تلعب دورًا أساسيًا في تكوين المشاعر.

تُعتبر هذه النظرية والتي وضعها العالم الأميركي ويليام جيمس والعالم الدنماركي كارل لانج كلٌ بمفرده من أقدم النظريات التي وُضعت لتفسير العواطف والانفعالات. وتنص على أنّ الانفعالات هي نتاج تغيرات فسيولوجية في الجسم، فنحن سُعداء لأننا نضحك وليس العكس.

أمّا العاطفة من منظورٍ تطوّريّ مثلاً فيرى تشارلز داروين أنّ العواطف تطوّرت لأنها سمحت للأفراد بالتكيّف وساعدتهم على البقاء والتكاثر. فمشاعر الحبّ والمودّة تقودنا للتزاوج والتكاثر، وتكوين العلاقات الاجتماعية والصداقات، ما يمكنّنا من الاستمرار بالحياة بشكلٍ أكبر. ومشاعر الخوف تجبرنا على القتال أو الفرار من مصادر الخطر والنجاة، وغيرها الكثير من الأمثلة الشبيهة.

باختصار ووفقًا لنظرية التطور، فالعواطف موجودة لأنّها تخدم أدوارًا تكيّفيّة، فهي تحفز الأفراد على الاستجابة بسرعة للمحفزات البيئية، مما يساعد على تحسين فرص النجاح والبقاء على قيد الحياة.

فما هو الدور الأساسيّ للعواطف ؟

في الواقع، تلعب العواطف العديد من الأدوار المهمّة في حياة الناس، منها ما هو متعلق بالوظائف الانفعالية الذاتية، والتي تشير إلى الدور الذي تلعبه العواطف داخل كل فرد على حدة. ومنها ماهو متعلق بالوظائف بين الشخصية -للعاطفة. والتي تشير إلى الدور الذي تلعبه العواطف في العلاقة بين الأفراد داخل المجموعة. ومنها ما هو متعلق بالوظائف الاجتماعية والثقافية، والتي تشير إلى الدور الذي تلعبه العواطف في الحفاظ على النظام الاجتماعي داخل المجتمع، بشكلٍ عامّ. فإن العواطف تخبر الأفراد عن ذواتهم، وعلاقاتهم مع الآخرين، وقد تجبرهم على نوعٍ معيّنٍ من التفاعلات الاجتماعية.

فالعواطف تعطي معنى للأحداث، ودون عواطف، ستكون هذه الأحداث مجرد معلومات لا أكثر.

فالعواطف، كغيرها من الأشياء التي تتخلل العقل البشريّ، هي أداة تساعده على الاستمرار وتحثّ بداخله غريزة البقاء. فعاطفة الخوف مثلاً، من شأنها أن تبعدنا عن الأخطار قصد النجاة. و شعور الغضب يدفع بنا إلى الدفاع عن حقوقنا عندما يعتدى علينا أو تتم إهانتنا وظلمنا.

ولكن ماذا إن كانت هذه العواطف باختلافاتها غير متوازنة ؟

تلعب هذه العواطف دورها الإيجابي عندما تأتي في الوقت المناسب وبالشّدة المتوازنة. أما إذا أتت بشكل أقل أو أكثر من المطلوب فقد تؤثّرٌ سلبًا على حياتنا. فأن يُصاب الشّخص بالقلق لأتفه الأسباب فسيصبح عرضةً للإكتئاب والتوتّر المرضيّ وبالتّالي الأمراض الجسديّة الأخرى مثل الصّدفيّة وضغط الدّم والتّشنّج الدورّي. وبالتّالي، ستُنغَص حياته وتصبح قدرته على تجاوز المشكلات محدودة. أما إذا كان قلق الإنسانِ منعدمًا تمامًا، فسيتحول إلى فرد غير مبال وقد تسبب له هذه اللامبالاة الكثير من المشاكل خاصّة إذا كان يعيش داخل مجتمعٍ مسؤولٍ.

الذّكاء العاطفي

ويُعرّف بقدرة الفرد على فهم وتقدير مشاعر الآخرين، إلى جانب قدرته على فرز مشاعره الذاتية وحسن استخدامها في مختلف المواقف، مع إدراك أن هذه المشاعر بإمكانها أن تؤثر على الدافعية والإنتاجية والسلوك لديه بشكل مباشر إما سلباً أو إيجاباً.

ونتيجة التقدير والإدراك المتنامي من المهنيين لأهمية الذكاء العاطفي والعلاقة المباشرة بين المشاعر ونتائج العمل، استمرت الأبحاث في هذا المجال ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. وقد أحدث دانيال جولمان ثورة علمية عندما قام بتأليف أكثر الكتب مبيعاً في مجال الذكاء العاطفي والذي أصبح منتشراً عبر وسائل الإعلام والمنظمات العالمية.

هنالك العديد من الفوائد للذكاء العاطفي، فمثلاً يمكنك عن طريقه تحديد المعتقدات غير العقلانية لديك أو لدى غيرك وفهم الاضطرابات النفسية الناتجة عن هذه المعتقدات غير العقلانية وبالتالي تغييرها وكسر العادات الروتينية السيئة، كما يمكّنك من فهم طبيعة العمل وتوظيف ذلك في كيفية التعامل مع الزملاء داخل وخارج بيئة العمل.

إذن، فهل يمكننا التّحكّم في عواطفنا ؟

بالطبع نستطيع ذلك ! لن اقول أن الأمر غاية في السهولة ولكنّه أمرٌ ممكنٌ وفعّالٌ للغايةِ. تجدر الإشارة هنا أنّ مستوى الذّكاء العاطفي يختلف من شخص إلى آخر. حيث يوجد أشخاصٌ يتمتّعون بذكاء عاطفيّ أكبر من غيرهم يخوّلهم لتّحكّم في عواطفهم بسلاسة أكبر من غيرهم. بيد أنّ الذكاء العاطفيّ بدوره قابلٌ للتدريب وقابلٌ للتحسّن.

وتقول روبن ستيرن، المديرة المساعدة لمركز ييل للذكاء العاطفي، إنه يجب تعليم الأطفال منذ الصغر كيفية التعرف على عواطفهم، وفهم ما تعنيه تلك العواطف، وتمييزها بدقة للتعبير عن أنفسهم.

وبالنسبة للبالغين الذين لم يتلقوا تعليماً جيداً بشأن الذكاء العاطفي، سيتطلب التحسين بعض العمل الشاق.

وعلى سبيل المثال، إذا كنت تحاول السيطرة بشكل أفضل على غضبك، فقد تجد متنفساً صحياً لذلك، سواء باليوغا، أو التأمل، أو الملاكمة.

وتقترح سارة كاناداي، وهي متحدثة حول مهارات القيادة ومؤلفة، البحث عن وجهات نظر من أولئك الذين قد لا يتفقوا معك. وتضيف: “إذا كنت تحيط نفسك دائما بأشخاص يؤمنون مثلك تماماً، فأنت تسمع المحادثات ذاتها، ولا تنمو، ولا تتعلم أن تكون منفتحاً على وجهات النظر المختلفة.”

وينصح براكيت، الأستاذ في مركز دراسات الطفل في جامعة ييل، والمدير المؤسس لمركز ييل للذكاء العاطفي، بالبحث عن استراتيجيات فعالة لإدارة العواطف. مارسها، ثم قم بتقييم هذه الاستراتيجيات بالنسبة لك. ومن المهم أن “تقضي بعض الوقت في التفكير في نفوذك، وكيفية استجابة الناس لعواطفك.”

وتقترح ستيرن إطالة الفترة الزمنية بين الوقت الذي تُثار فيه بسبب شيء ما، والرد عليه. توقف، خذ نفساً عميقاً، وتخيل ما هو الأفضل بالنسبة لك. فهذا الأمر قد يساعدك على تجنب تحكم عواطفك بك.

وتقول ستيرن إن “الطريقة التي نتحدث بها مع أنفسنا قد تؤثر بشكل كبير على عواطفنا وصحتنا، إذا كان هذا الحديث عن النفس غير إيجابي”. وتضيف أننا لن نتحدث مع فرد آخر بالطريقة التي غالباً ما نتحدث بها مع أنفسنا.

في النّهاية، يجدر القول أننا قادرون على السيطرة على عواطفنا واللّعب بها عوض أن تلعب هي بنا. كلّ ما يستحّقه الأمر أن نتدرّب على ذلك من خلال التحاولر مع ذواتنا وممارسة انواع الرّياضة التّاملات التي من شأنها أن تبني علاقة وديّة وتفاهميّة بيننا وبين هذه العواطف.

حمل تطبيق ريدز عبر جميع المنصات و على هذا الرابط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *